
للإسف الشديد، لا يزال الإعلام العراقي المحلي يحتاج إلى الكثير من المراجعات في مجال تقديم سياسة إعلامية أخبارية نموذجية مليئة بالمعرفة والمعلومات الدقيقة للمشاهدين، لاسيما عندما يتعلق الأمر بقضايا إقليمية ودولية. فمنذُ مدة ليست بالقصيرة، تُتابع وحدات الرصد في المعهد طريقة تغطية الإعلام العراقي لتطورات القضايا الإقليمية، ونوعية المحللين الذين تتم استضافتهم، ومستوى الدقة في المعلومة وتحليلها.
مؤخراً بدأت تتطرق بعض قنواتنا العراقية للدور الإقليمي (الإماراتي، الأثيوبي) ودورهما ضمن خطة تهجير الفلسطينيين في غزة، ولوحظ أن الطرح والتحليل لم يكن بالعمق الكافي ولا بالدقة المطلوبة، وتم اختزال السبب والدور بعبارة بديهية مفادها (الخيانة والعمالة للكيان الصهيوني).
هذا الاختزال والتحليل البديهي لا يليق بقناة إخبارية أو بمداخلة لخبير إستراتيجي، فالأمر أكبر من تلك البديهية بكثير، فما طرح من معلومات وتحليلات يدركها المواطن العراقي البسيط، فإذن أين دور الإعلام العراقي في نشر الوعي الكافي للجمهور؟.
وعليه تم إعداد هذه الفقرة لتقديم الفكرة الواضحة للحدث، والعمق المعرفي المطلوب لها؛ كي يكون المواطن والمتابع العراقي على بينة مما يجري من حوله، ويوسع من مدركات إهتماماته.
في الحقيقة إنَ تفسير موقف (أثيوبيا والإمارات) من تقديم التسهيلات ودعم فكرة تنفيذ خطة تهجير الفلسطينيين من غزة إلى الصومال تحديداً لا يأتي من فراغ؛ بل جاء لعدة حسابات إستراتيجية مستقبلية وهي:
1. بالنسبة لأثيوبيا، فما ينقصها أن تكون دولة مؤثرة في أفريقيا هي الإطلالة البحرية، والتخلص من مأزق (جيبوتي، واليابسة التي تحيطها)، وعليه التقى المشترك الأثيوبي الصهيوني هنا في التمهيد لخنق مصر أكثر، وسحب أوراق ضغط القاهرة ضد أثيوبيا والمتمثل بالمنفذ البحري والتجاري، وإضعاف مصر باعتبارها الحجر الثاني المطلوب سقوطه بعد غزة. فالكيان الصهيوني في حال تحقق التهجير سيحصل على موطئ قدم عسكري وإستخباراتي في البحر الأحمر، وعلى بعد أميال من قناة السويس وباب المندب، وتشكيل تهديد مباشر لأهم المضايق والموانئ البحرية في العالم، وتشكيل تهديد كبير لمصر من الجنوب وضرب الملاحة البحرية وخطوط التجارة لصالح قناة (بن غوريون) التي سبق أن تحدثنا عنها سابقاً، بينما أثيوبيا وبالإضافة إلى ملف سد النهضة الذي تبتز به القاهرة بين مدة وأخرى، ستسعى للحصول عن منفذ بحري ؛ كي تتحرر من فكرة الإعتماد على جيبوتي المقربة من مصر، وتجهيز قاعدة عسكرية لهم قرب ميناء (بربره) الصومالي، مما يضعها في موقع قوي وضغط أكبر على مصر في ملف سد النهضة وملف التوازنات الإقليمية. ولعل هذا هو أسباب طرح الولايات المتحدة مقترح استقبال الصومال لسكان غزة مقابل الاعتراف بها كدولة، والتي وجدت قبولاً لدى القيادة السياسية هناك. (لاحظ حجم التشابك في المصالح والأهداف).
2. أما الإمارات (الممثل الرسمي للكيان في الجامعة العربية)، فبالإضافة إلى قضية التطبيع والعمالة للعدو، هي ترى في ملف التهجير فرصة في توسيع نفوذها ولعب دور إقليمي أكبر من حجمها وعلى حساب قطر والسعودية، والعمل على ربط موانئها ببعضها، وتكون جزء من شبكة السيطرة على الممرات الملاحية في البحر الأحمر، وبالتنسيق والتفاهم التام مع الجانب الصهيوني والأمريكي، وإنشاء شبكة استثمارات ضخمة في غزة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا:
▪︎ أين مصر من كل ذلك؟.
▪︎ متى تنوي أن تتحرك؟
▪︎ هل تدرك أنها مستهدفة من هذه التحركات؟
▪︎ هل تدرك أن أي وجود صهيوني أو أثيوبي قرب باب للمندب سيشكل تهديد صريح لقناة السويس التي تمثل شريان الحياة الإقتصادي لمصر؟
وللحديث بقية…